الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/وقال: وقد تفرق الناس في هذا المقام ـ الذي هو غاية مطالب العباد ـ فطائفة من الفلاسفة ونحوهم، يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم - الذي به تكمل ما يعرفونه هم من - علم ما بعد الطبيعة، ويجعلون العبادات رياضة لأخلاق النفس، حتى تستعد للعلم. فتصير النفس عالما، معتزلاً، موازيا للعالم الموجود. وهؤلاء ضالون، بل كافرون من وجوه: منها: أنهم اعتقدوا الكمال من مجرد العلم، كما اعتقد جهم، والصالحي، والأشعري ـ في المشهور من قوليه ـ وأكثر أتباعه: أن الإيمان مجرد العلم، لكن المتفلسفة أسوأ حالا من الجهمية، فإن الجهمية يجعلون الإيمان هو العلم بالله، وأولئك يجعلون كمال النفس في أن تعلم الوجود المطلق، من حيث هو وجود، والمطلق بشرط الإطلاق، إنما يكون في الأذهان لا في الأعيان، والمطلق لا بشرط لا يوجد أيضا في الخارج إلا معينا. وإن علموا الوجود الكلي، المنقسم إلى واجب وممكن، فليس لمعلوم علمهم/ وجود في الخارج، وهكذا من تصوف وتأله على طريقتهم، كابن عربي، وابن سبعين ونحوهما. وأيضا: فإن الجهمية يقرون بالرسل، وبما جاؤوا به، فهم في الجملة يقرون بأن الله خلق السموات، والأرض، وغير ذلك مما جاءت به الرسل؛ بخلاف المتفلسفة. وبالجملة، فكمال النفس ليس في مجرد العلم، بل لابد مع العلم بالله من محبته، وعبادته، والإنابة إليه، فهذا عمل النفس وإرادتها، ودال علمها ومعرفتها. الوجه الثاني: أنهم ظنوا أن العلم الذي تكمل به النفس هو علمهم، وكثير منه جهل لا علم. الوجه الثالث: أنهم لم يعرفوا العلم الإلهي، الذي جاءت به الرسل، وهو العلم الأعلى، الذي تكمل به النفس، مع العمل بموجبه. الرابع: أنهم يرون أنه إذا حصل لهم ذاك العلم، سقطت عنهم واجبات الشرع، وأبيحت لهم محرماته، وهذه طريقة الباطنية، من الإسماعيلية وغيرهم، مثل أبي يعقوب السجستاني، صاحب الأقاليد الملكوتية، وأتباعه، وطريقة من وافقهم من ملاحدة الصوفية، الذين يتأولون قوله: وطائفة أخرى: عندهم أن الكمال في القدرة والسلطان، والتصرف في الوجود نفاذ الأمر والنهي، إما بالملك والولاية الظاهرة، وإما بالباطن. وتكون عبادتهم، ومجاهدتهم ـ لذلك، وكثير من هؤلاء يدخل في الشرك، والسحر، فيعبد الكواكب، والأصنام، لتعينه الشياطين على مقاصده، وهؤلاء أضل وأجهل من الذين قبلهم، وغاية من يعبد الله يطلب خوارق العادات، يكون له نصيب من هذا، ولهذا كان منهم من يرى طائرا ومنهم يرى ماشيا ومنهم. وفيهم جهال ضلال. وطائفة تجعل الكمال في مجموع الأمرين، فيدخلون في أقوال وأعمال من الشرك، والسحر، ليستعينوا بالشياطين على ما يطلبونه، من الإخبار بالأمور الغائبة، وعلى ما ينفذ به تصرفهم في العالم. والحق المبين: أن كمال الإنسان أن يعبد الله علما، وعملا، كما أمره ربه،/ وهؤلاء هم عباد الله، وهم المؤمنون والمسلمون، وهم أولياء الله المتقون، وحزب الله المفلحون، وجند الله الغالبون، وهم أهل العلم النافع، والعمل الصالح، وهم الذين زكوا نفوسهم وكملوها، كملوا القوة النظرية العلمية،والقوة الإرادية العملية، كما قال تعالي: /وقال أيضا: حقيقة مذهب الاتحادية - كصاحب الفصوص ونحوه - الذي يؤول إليه كلامهم ويصرحون به في مواضع - أن الحقائق تتبع العقائد، وهذا أحد أقوال السوفسطائية، فكل من قال شيئا، أو اعتقده، فهو حق في نفس هذا القائل المعتقد؛ ولذا يجعلون الكذب حقا، ويقولون: العارف لا يكذب أحدا، فإن الكذب هو ـ أيضا ـ أمر موجود وهو حق في نفس الكاذب، فإن اعتقده كان حقا في اعتقاده، وكلامه. ولو قال ما لم يعتقده كان حقا في كلامه فقط. ولهذا يأمر المحقق أن تعتقد كل ما يعتقده الخلائق، كما قال: عقد الخلائق في الإله عقائدا ** وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه ومعلوم أن الاعتقادات المتناقضة لا تكون معتقداتها في الخارج،لكن في نفس المعتقد؛ ولهذا يأمرون بالتصديق بين النقيضين والضدين ويجعلون هذا من أصول طريقهم، وتحقيقهم.ومعلوم أن النقيضين لا يجتمعان في الخارج،لكن يمكن اعتقاد اجتماعهما فيكون ذلك حقا في نفس المعتقد،وهم يدعون أن ذلك يحصل كشفا فكشفهم متناقض، فخاطبت بذلك بعضهم، فقال:كلاهما / حق، كالذي كشف له أن الزهـرة فوق عطارد، والذي كشف له أنها تحت عطارد، فقـال هي من كشف هذا فوق عطارد،وفي كشف هذا تحت عطارد، وأمثال ذلك. فجعلوا الحقائق الثابتة تتبع الكشف والاعتقاد، والقول. ولهذا يقولون: سر حيث شئت، فإن الله ثَمَّ، وقل ما شئت فيه، فإن الواسع الله. ومضمون هذا الأصل أن كل إنسان يقول ما شاء ويعتقد ما شاء، من غير تمييز بين حق وباطل، وصادق وكاذب، وأنه لا ينكر في الوجود شيء، وهكذا يقولون. هذا من جهة الخبر والعلم، وأما من جهة الأمر والعمل، فإن محققهم يقول: ما عندنا حرام، ولكن هؤلاء المحجبون قالوا:حرام فقلنا: حرام عليكم، فما عندهم أمر ولا نهي، كما قال القاضي الذي هو تلميذ صاحب الفصوص فيما أنشدنيه الشاهد ابن عمد المقلب بعرعيه ما الأمر إلا نســــق واحــد ** ما فيه من حمــــد ولا ذم وإنما العادة قد خصـــــصت ** والطبع والشــارع بالحكـم وحينئذ فما يبقى للأقوال والأفعال إلا مجرد القدرة؛ ولهذا هم يمشون مع الكون دائما، فأي شيء وجد وكان، كان عندهم حقا، فالحلال ما وجدته وحل بيدك، والحرام ما حرمته، والحق ما قلته كائنا ما كان، والباطل ما لم يقله أحد. وهؤلاء شر من المباحية الملاحدة الذين يجرون مع محض القدر. فإن أولئك يعطلون الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وهؤلاء/ عطلوا أيضا الصانع والرسالة والحقائق كلها، وجعلوا الحقائق بحسب ما يكشف للإنسان، ولم يجعلوا للحقائق في أنفسها حقائق تتحقق به، يكون ثابتا، وبنقيضه منتفيا، بل هذا عندهم يفيده الإطلاق. ألا تقف مع معتقد، بل تعتقد جميع ما اعتقده الناس، فإن كانت أقوالا متناقضة فإن الوجود يسع هذا كله، ووحدة الوجود تسع هذا كله. ومعلوم أن الوجود إنما يسع وجود هذه الاعتقادات لا يسع تحقق المعتقدات في أنفسها، وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء، فإن الاعتقاد الباطل والقول الكاذب هو موجود داخل في الوجود، لكن هذا لا يقتضي أن يكون حقا وصدقا، فإن الحق والصدق إذا أطلق على الأقوال الخبرية لا يراد به مجرد وجودها، فإن هذا أمر معلوم بالحس، وعلى هذا التقدير فكلها حق وصدق. ومن المعلوم أن السائل عن حقها وصدقها، هي عنده منقسمة إلى حق وباطل، وصدق وكذب، والمراد بكونها حقا وصدقا كونها مطابقة للخبر أو غير مطابقة، ثم قد تكون مطابقة في اعتقاد القائل دون الخارج، وهذا هو الخطأ. وقد يسمى كذبا، وقد لا يطلق عليه ذلك. فالأول: كقول النبي صلى الله عليه وسلم : [كذب أبو السنابل]،وقوله:[كذب من قالها إن له لأجرين اثنين، إنه لجاهد مجاهد ].وقول عبادة: كذب أبوكم. وقول ابن عباس: كذب نوف. والثاني: كقوله صلى الله عليه وسلم:(لم أنس ولم تقصر)فقال له ذو اليدين: بلى قد نسيت. وكأن الفرق ـ واللّه أعلم ـ أن من أخبر مع تفريطه في الطريق الذي يعلم به صوابه وخطؤه فأخطأ سمي كاذبا ـ بخلاف من لم يفرط،لأنه تكلم بلا حجة ولا دليل مجازفة فأخطأ، بخلاف من أخبر غير مفرط. وهذا الفرق يصلح أن يفرق به فيمن حلف على شيء يعتقده، كما حلف عليه فتبين بخلافه أنه إن حلف مجازفاً بلا أصل يرجع إليه مثل من حلف أن هذا غراب أو ليس بغراب بلا مستند أصلا فبان خطأ، فإن هذا يحنث وذلك يحنث، مثل هذا وإن لم يعلم خطؤه وإن أصاب وهي مسألة حلفه أنه في الجنة وهذا كما تقول: المفتى إذا أفتى بغير علم أنه أثم وإن أصاب، وكذلك المصلي إلى القبلة بغير اجتهاد، وكذلك المفسر للقرآن برأيه. ولهذا تجد هؤلاء في أخبارهم من أكثر الناس كذبا، بل الكذب كالصدق عندهم، فيستعملونه بحسب الحاجة، ولا يبالون إذا أخبروا عن الشيء الواحد بخبرين متناقضين، وتجدهم في أعمالهم بحسب أهوائهم، فيعملون العملين المتناقضين أيضا، إذا وافق هذا هواهم في وقت، وهذا هواهم في وقت وهم دائما مع المطاع، سواء كان مؤمنا أو كافراً، أو براً أو فاجراً، أو صديقاً أو زنديقاً. والتتار قبل إسلامهم،وإن شركوهم في هذا، فهم أحسن منهم في الخبريات؛ إذ التتار لا يخبرون عن الأمور الإلهية بالخبرين المتناقضين بل أحدهم إما أن يعتقد الشيء علماً أو تقليداً،أو لا يعتقد شيئا، فأما أن يجمع/بين النقيضين فلا،فهؤلاء شر حالا من مثل التتار؛ولهذا ليس لهم عاقبة، فإنهم ليسوا متقين يميزون بين مأمور، ومحظور،وصدق وكذب، والعاقبة إنما هي للمتقين، وإنما قيام أحدهم بقدر ما يكون قادراً. ومعلوم أن قدرة أحدهم لا تدوم، بل يعمل بها من الأعمال ما يكون سبب الوبال، ولا ريب أن هؤلاء مندرجون في قوله تعالى: ولا ريب أن الحق نوعان: حق موجود، وبه يتعلق الخبر الصادق، وحق مقصود، وبه يتعلق الأمر الحكيم، والعمل الصالح، وضد الحق الباطل، ومن الباطل الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل لهو يلهو الرجل به فهو باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق).والحق الموجود إذا أخبر عنه بخلافه كان كذبا، وهؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل، بين الحق الموجود الذي ينبغي اعتقاده، والباطل المعدوم الذي ينبغي نفيه في الخبر/ عنهما، ولا بين الحق المقصود الذي ينبغي اعتماده، والباطل الذي ينبغي اجتنابه، بل يقصدون ما هووه وأمكنهم منهما. وأصدق الحق الموجود ما أخبر الله بوجوده، والخبر الحق المقصود ما أمر الله به. وإن شئت قلت: أصدق خبر عن الحق الموجود خبر الله، وخير أمر بالحق المقصود أمر الله، والإيمان يجمع هذين الأصلين: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر. وإذا قرن بينهما قيل: / جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد ومنهم من يزعم أن علىا الحريري كان قد أعطى من الحال ما إنه إذا خلا بالنساء والمردان، يصير فرجه فرج امرأة. ومنهم من يدعي النبوة، ويدعي أنه لابد له من الظهور في وقت، فيعلو دينه وشريعته، وإن من شريعته السوداء تحريم النساء، وتحليل الفاحشة اللوطية، وتحريم شيء من الأطعمة وغيرها، كالتين، واللوز، والليمون. وتبعه طائفة، منهم من كان يصلي فترك الصلاة، ويجتمع به نفر مخصوصون في كثير من الأيام . . . إلخ. فأجاب . أما قول القائل: إن يونس القتات يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب، وأليم العذاب يوم القيامة. / فيقال جوابا عامًا: من ادعى أن شيخًا من المشايخ يخلص مريديه يوم القيامة من العذاب، فقد ادعي أن شيخه أفضل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل فإنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، سلوني ما شئتم من مالي)، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (لا ألْفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة، وعلى رقبته بعير له رُغَاء، فيقول: يا رسول الله، أغثني ! فأقول: لا أغني عنك من الله شيئًا قد بلغتك) الحديث بتمامه. وذكر مثل ذلك في غير ذلك من الأقوال. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل هذا لأهل بيته، وأصحابه الذين آمنوا به، وعزروه ونصروه، من المهاجرين والأنصار ـ يقول إنه ليس يغني عنهم من الله شيئا ـ فكيف يقال في شيخ غايته أن يكون من التابعين لهم بإحسان؟وقد قال تعالى: وقد علم أنه ليس للأنبياء وغيرهم يوم القيامة إلا الشفاعة. وقد ثبت في الصحيح أن الناس يأتون آدم ليشفع فيقول: نفسي نفسي، وكذلك يقول نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ـ وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل ـ /وهم أفضل الخلق، ويقول لهم عيسى: اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإذا رأيت ربي خررت له ساجدًا، فيقول: أي محمد، ارفع رأسك وقل يسمع، واسأل تعط، واشفع تشفع، فيحد لي حدًا فأدخلهم الجنة، وذكر مثل ذلك في المرة الثانية. فهذا خير الخلق وأكرمهم على الله، إذا رأى ربه لا يشفع حتى يسجد له، ويحمده، ثم يأذن له في الشفاعة، فيحد له حدًا يدخلهم الجنة، وهذا تصديق قوله تعالى: وقد جاء في الحديث الصحيح: أنه تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، لكن بإذنه في أمور محدودة. ليس الأمر إلى اختيار الشافع. فهذا فيمن علم أنه يشفع، فلو قال قائل: إن محمدًا يخلص كل مريديه من النار، لكان كاذبًا، بل في أمته خلق يدخلون النار، ثم يشفع فيهم. وأما الشيوخ فليس لهم شفاعة كشفاعته، والرجل الصالح قد يشفعه الله فيمن يشاء، ولا شفاعة إلا في أهل الإيمان. وأما المنتسبون إلى الشيخ يونس، فكثير منهم كافر بالله ورسوله، لا يقرون بوجوب الصلاة الخمس، وصىام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، بل لهم من الكلام في سب الله ورسوله، والقرآن والإسلام، ما يعرفه من عرفهم. /وأما من كان فيهم من عامتهم ـ لا يعرف أسرارهم وحقائقهم ـ فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين، الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم، فإن خواصهم مثل الشيخ سلول، وجهلان، والصهباني وغيرهم، فهؤلاء لم يكونوا يوجبون الصلاة، بل ولا يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وفي أشعارهم ـ كشعر الكوجلي وغيره ـ من سب النبي صلى الله عليه وسلم، وسب القرآن والإسلام، ما لا يرضي به لا اليهود، ولا النصارى. ثم منهم من يقول: هذا الشعر ليونس. ومنهم من يقول: هو مكذوب على يونس، لكن من المعلوم المشاهد أنهم ينشدون الكفر ويتواجدون عليه، ويبول أحدهم في الطعام ويقول: يشرح كبدي يونس، أو ماء وَرْدِ يونس، ويستحلون الطعام الذي فيه البول ويرون ذلك بركة. وأما كفرياتهم مثل قولهم: وأنا حميت الحمى، وأنا سكنت فيه، وأنا تركت الخلائق في مجاري التيه، موسى على الطور لما خر لي ناجى، وصاحب أقرب أنا جنبوه حتى جا، يوم القيامة يرى الخلائق أفواجا، إلى نبيه عيسى يقضى لهم حاجا. ويقولون: تعالوا نخرب الجامع ونجعل منه جمارة، ونكسر خشب المنبر ونعمل منه زنارة، ونحرق ورق ونعمل منه طنبارة، ننتف لحية القاضي ونعمل منه أوتاره. أنا حملت على العرش حتى صج، وأنا صرخت في محمد حتى هج، وأن البحار السبعة من هيبتي ترتج. /وأمور أخر أعظم من هذا وأعظم من أن تذكر، لما فيها من الكفر الذي هو أعظم من قول الذين قالوا: إن لله ولدًا. وأما قول القائل: إن من الشيوخ من كان يتحول فرجه فرج امرأة، فكذب مختلق، بل في طريقه من المنكرات المخالفة لدين الإسلام ما يعرفه من يعرف دين الإسلام، وأصحابه ينقلون عنه كفريات سطروها عنه، كقوله: لو قتلت سبعين نبيًا ما كنت مخطئا، ومعلوم أن قتل نبي واحد من أعظم الكفر، وفي الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة من قتل نبيًا أو قتله نبي) وإذا قيل: هذا قاله مشاهدة للحقيقة، القدرية الكونية، أن الله خالق أفعال العباد كان العذر أقبح من الذنب، فإنه لو كان القدر حجة، لم يكن على إبليس وفرعون وسائر الكفار ملام، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا المحتج بالقدر لو تعدى عليه أحد لقاتله، وغضب عليه. فإن كان القدر حجة، فهو حجة يفعل به ما يريد، وإن لم يكن حجة لم يؤذ آدميًا، فكيف يكون حجة لمن يكفر بالله ورسوله؟ وآدم ـ عليه السلام ـ إنما حج موسى، لأن موسى لامه لما أصابه من المصيبة، لم يلمه لحق الله تعالى في الذنب، فإن آدم تاب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل قال له: بماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال: تلومني على أمر قدره الله على قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى /وكذا يؤمر كل من أصابه مصيبة من جهة أبيه وغيره. أن يسلم لقدر الله، كما قال تعالى:
|